تحليل قانوني لقرار تخفيض مدة الحبس المؤبد إلى 20 عاما

• المحامي محمد الفضل: القرار جاء دون تعديل المادتين 61 و87 من قانون الجزاء بشأن الحبس المؤبد والإفراج الشرطي

• لا يعد إلغاء لعقوبة «المؤبد» من القانون بل تنظيما لكيفية تنفيذها عمليا وفق فلسفة عقابية حديثة توازن بين العقاب وفرصة الإصلاح

• يمكن فهمه ضمن إطار نظام الإفراج الشرطي.. فالمادة 87 أصلا تجيز الإفراج عن المحبوس بـ«المؤبد» بعد 20 سنة

• أتى ليجعل الإفراج بعد 20 سنة هو القاعدة العامة للمحكومين بـ«المؤبد» بدلا من ترك الإفراج الشرطي لسلطة تقديرية تمارس على نحو محدود

• لا تعارض جوهري بين المادة 87 وقرار تحديد «المؤبد» بـ20 عاما.. لكن هناك اختلاف بآلية التنفيذ والتطبيق

• عمليا.. أي سجين «مؤبد» استكمل 20 سنة يمكن أن يفرج عنه إفراجا مشروطا إذا استوفى الشروط المحددة «الإصلاح – حسن السلوك – انتفاء الخطورة»

• الإفراج لن يكون تلقائيا أو حقا مطلقا بمجرد مرور 20 عاما.. بل يتوقف على تقرير اللجنة المختصة وتصديق النيابة بعد التحقق من استحقاق السجين له

• يحق للنائب العام فرض رقابة لاحقة على المفرج عنه كارتداء سوار إلكتروني لمدة تصل إلى 5 سنوات بشروط محددة تلغي الإفراج في حال مخالفتها

• فترة مراقبة السوار الإلكتروني «الخمس سنوات» هي ذاتها المنصوص عليها في المادة 87 كمدة الإفراج الشرطي للمؤبد

• الضمانات الموضوعة تؤكد بأن الإفراج يعد «إفراجا مشروطا» بهدف التأكد من اندماج المحكوم في المجتمع بأمان

• نوصي بتعديل المادة 87 من قانون الجزاء بحيث تنص صراحة على تلقائية الإفراج عن المحكومين «مؤبد» بمضي 20 عاما للحالات المستحقة

• نوصي بوضع آلية واضحة للمراجعة القضائية لضمان عدم تحول الإفراج إلى إجراء إداري بحت دون رقابة قانونية

• نوصي بتعزيز برامج إعادة التأهيل داخل السجون لضمان قدرة المحكومين المفرج عنهم على الاندماج في المجتمع بصورة آمنة

أعد المحامي محمد الفضل دراسة بشأن القرار الوزاري رقم 397 لسنة 2025 الصادر من وزير الداخلية بتشكيل لجنة لمتابعة أوضاع المحكومين بالمؤبد، شملت تحليلا قانونيا حول طبيعة القرار وماهيته ومقارنته مع مواد قانونية أخرى ذات صلة، وانتهت بعدة توصيات قانونية، وفيما يلي نص الدراسة:

التحليل القانوني للقرار 397/25 بشأن تشكيل اللجنة وتخفيف السجن المؤبد بـ20 عاما في دولة الكويت

مقدمة

تمثل العقوبات الجنائية إحدى أهم الأدوات التي يعتمدها المشرع لضبط السلوكيات الاجتماعية وحماية النظام العام، ويعد السجن المؤبد من أشد العقوبات المقررة في القوانين الجزائية، نظرا لما يحمله من دلالة عقابية كبرى، حيث يهدف إلى عزل المحكوم عليه عن المجتمع لفترة غير محددة تماثل بقية حياته، ما لم يتم تخفيف العقوبة عبر العفو أو الإفراج الشرطي.

وفي هذا السياق، أعلنت الحكومة الكويتية في هذا الشهر الفضيل من عام 2025 عن قرار وزاري يقضي بتشكيل لجنة مختصة لمتابعة أوضاع المحكومين بالمؤبد بهدف تطبيق السياسة الجديدة التي تسمح بالإفراج عن المحكومين بالسجن المؤبد بعد 20 عاما من تنفيذ العقوبة وفقا لشروط محددة.

وقد أثار هذا القرار اهتمام الأوساط القانونية نظرا لما ينطوي عليه من تحول جوهري في فلسفة العقوبة، حيث يعيد النظر في سياسات العقوبات طويلة الأمد بما يوازن بين الردع الجنائي وإعادة التأهيل والاندماج الاجتماعي للمحكومين.

أولا: إشكالية القرار والتحليل القانوني المطلوب

رغم أن القرار يحمل طابعا إصلاحيا واضحا، إلا أنه يثير العديد من التساؤلات القانونية المهمة حول مدى توافقه مع التشريعات السارية في الكويت، خصوصا المادة 61 من قانون الجزاء بشأن عقوبة الحبس المؤبد كذلك المادة 87 منه والتي تنظم الإفراج الشرطي، كما يدور جدل حول ما إذا كان القرار يشكل تخفيفا للعقوبة أم مجرد تعديل لنظام تنفيذها، وما إذا كان يتطلب تعديلات تشريعية لتأكيد شرعيته وتنظيم تطبيقه.

بناء على ذلك، تهدف هذه الدراسة إلى تحليل القرار من منظور قانوني، والتدقيق بمدى انسجامه مع القوانين الكويتية النافذة، ومدى تأثيره على السياسة العقابية في الكويت، وكذلك رصد انعكاساته على المحكومين بالسجن المؤبد سواء الحاليين أو المستقبليين.

صلاحيات السلطة التنفيذية في إصدار القرار

جاء هذا بقرار وزاري من السلطة التنفيذية «رئيس مجلس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية» استنادا إلى توجيهات أميرية، فقد صدر قرار وزاري رقم 397 لسنة 2025 عن وزير الداخلية بتشكيل لجنة لمتابعة أوضاع المحكومين بالمؤبد تمهيدا لتنفيذ هذه السياسة الجديدة، وبذلك فإن الأساس القانوني هو قرار وزاري لتنفيذ توجه إصلاحي معتمد على صلاحيات السلطة التنفيذية بإدارة شؤون السجون وتنفيذ العقوبات، دون أن يتم «حتى الآن» تعديل نص قانون الجزاء نفسه «مادة 61» والتي تنص على أن «الحبس المؤبد يستغرق حياة المحكوم عليه، ويكون مقترنا بالشغل دائما».

تشكيل اللجنة المختصة

ولما كان ذلك، وجه وزير الداخلية بتشكيل لجنة مختصة لمتابعة أوضاع المحكومين بالمؤبد والنظر في الإفراج عمن تنطبق عليه الشروط، وبالفعل صدر قرار وزاري بتشكيل اللجنة وتحديد اختصاصاتها.

وبحسب هذا القرار، تتألف اللجنة من مسؤولين رفيعين «كوكيل أو مدير في وزارة الداخلية لإدارة المؤسسات الإصلاحية ومدير إدارة تنفيذ الأحكام وربما ممثل عن النيابة العامة»، وذلك لضمان وجود خبرات أمنية وقانونية في عملها.

وقد أوكل إلى هذه اللجنة اختصاصات محددة، أهمها: فحص ملفات جميع المحكوم عليهم بالحبس المؤبد الذين أمضوا في السجن 20 سنة على الأقل، وتقرير مدى صلاحيتهم للإفراج في ضوء الشروط المنصوص عليها.

وتقوم اللجنة برفع تقرير بحالة كل سجين مؤبد تنظر أمره إلى كل من وزير الداخلية والنائب العام، أي هناك رقابة مزدوجة تنفيذية وقضائية «ممثلة بالنائب العام» على توصيات اللجنة.

عمليا، تبدأ إجراءات اللجنة قبل 3 أشهر من إكمال السجين لعشرين سنة حبس، بحيث يتم الاستعداد لاتخاذ القرار فور بلوغه هذه المدة، كما ستنظر اللجنة فورا في أوضاع من تجاوزوا 20 عاما أصلا وهم لا يزالون في السجن، لأن النص يشمل من أمضوا «مدة 20 سنة على الأقل».

إذا رأت اللجنة توافر الشروط فإنها ترفع توصية بالإفراج، وهنا يصدر النائب العام قرارا بالإفراج الشرطي عن المحكوم الذي تقررت صلاحيته للإفراج.

قرار النائب العام بالإفراج هو الذي يطلق سراح السجين بشكل قانوني «بحكم أن المادة 91 جزاء تسند للنائب العام سلطة إصدار أوامر الإفراج الشرطي وإلغائها»، وبهذا القرار يتحول السجين إلى مفرج عنه تحت شرط لفترة تجريبية.

أما إن رأت اللجنة عدم توافر الشروط لشخص ما، فسيبقى في السجن ويمكن إعادة النظر في أمره لاحقا.. ربما بعد فترة «قد تكون اللجنة دورية الانعقاد مثلا سنويا لهؤلاء».

ثانيا: هل يعد القرار تخفيفا للعقوبة أم تعديلا لنظام الإفراج؟

يحمل القرار الجديد بظاهره تخفيفا لمدة العقوبة، إذ أعلن كأنه يجعل مدة المؤبد 20 سنة بدلا من بقاء المحكوم مدى حياته، وهذا يوحي بتغيير جوهري في عقوبة الحكم المؤبد نفسها «أي خفض العقوبة».

من الناحية القانونية، تكييف هذا القرار باعتباره إجراء تنفيذيا تنظيميا ضمن إطار تنفيذ الأحكام الجزائية أكثر من كونه تعديلا تشريعيا صريحا، فالقرار لم يصدر كقانون يغير نص المادة المتعلقة بعقوبة الحبس المؤبد في قانون الجزاء، بل صدر عن السلطة التنفيذية «وزير الداخلية بالإنابة» بتنظيم جديد بوضع شروط للأفراج عن المتهمين المحكومين بعقوبة الحبس المؤبد.

فقانون الجزاء الكويتي نفسه لم يتغير نصه بعد، فهو ما زال ينص على أن السجن المؤبد يستغرق حياة المحكوم مدى الحياة ومع الأشغال، ويعتبر القرار تعديلا ضمنيا أو فعليا لنهج العقوبة دون تعديل النص القانوني، أي أنه تغيير بالسياسة العقابية وآلية التنفيذ استنادا إلى الصلاحيات التنفيذية «كالمخولة بموجب المادة 87 المشار إليها للإفراج الشرطي».

وبذلك يمكن وصفه بأنه آلية تنفيذية جديدة تطبق على الأحكام القائمة والمستقبلية لتحقيق غاية الإصلاح دون الحاجة الفورية لتعديل تشريعي، أي أنه لا يعد «إلغاء لعقوبة المؤبد من القانون بل تنظيما لكيفية تنفيذها عمليا» وفق فلسفة عقابية حديثة توازن بين العقاب وفرصة الإصلاح.

ومن الناحية العملية، يمكن فهم القرار أيضا ضمن إطار نظام الإفراج الشرطي الخاص بعقوبة الحبس المؤبد، فالقانون أصلا يجيز الإفراج بعد 20 سنة للمؤبد، والفارق أن القرار الجديد يتجه إلى تفعيل منهجي لتلك الإمكانية لجميع من تنطبق عليهم الشروط، وبكلمات أخرى، بدلا من ترك الإفراج الشرطي لسلطة تقديرية تمارس على نحو محدود، يأتي التوجيه الوزاري ليجعل الإفراج بعد 20 سنة هو القاعدة العامة للمحكومين بالمؤبد «ما داموا حسن السيرة ولم يعد يشكل إفراجهم خطرا».

ومع ذلك، فإن الصياغات الإعلامية للقرار استخدمت عبارة «تخفيف مدة عقوبة الحبس المؤبد لتكون 20 عاما بدلا من أن تستغرق حياة المحكوم عليه»، ما يقرب المفهوم من تخفيض العقوبة بمعناه الحرفي.

ثالثا: مقارنة القرار مع قواعد تخفيف العقوبة حسب قانون الجزاء الكويتي

يتوافق هذا القرار مع مبدأ الإفراج الشرطي «المشروط» المعروف في النظم الجنائية، إذ أنه في الأصل يسمح القانون الكويتي ببعض آليات تخفيف العقوبة بعد قضاء جزء منها، فالمادة 87 من قانون الجزاء أجازت الإفراج تحت شرط عن المحكوم عليهم بعد قضاء ثلاثة أرباع مدة العقوبة المحكوم بها، على ألا تقل المدة المنفذة من المؤبد عن 20 سنة، وبالتالي فإن تحديد 20 سنة كحد أدنى للإفراج عن المؤبد ليس أمرا جديدا تماما، بل هو تفعيل وتوسيع لتطبيق نظام الإفراج المشروط المنصوص عليه قانونا.

الفرق أن هذه الخطوة جاءت كسياسة عامة ملزمة بموجب قرار إداري يشمل «جميع المحكومين بالمؤبد»، بدلا من ترك الأمر لحالات فردية أو لمحض السلطة التقديرية دون إطار منظم، كما أن شروط الإفراج المحددة في القرار، وهي: «الثقة في تقويم المحكوم، وحسن السيرة والسلوك، وألا يشكل خطورة على الأمن العام» تنسجم مع المعايير التقليدية لتخفيف العقوبة عبر الإفراج الشرطي، وهذا شبيه بالأسس المعتمدة عالميا للإفراج المبكر عن المحكومين مدى الحياة عند إثبات التقدم التأهيلي ««rehabilitative progress وعدم الخطورة.

كذلك يبقى العفو الأميري الخاص طريقا آخر لتخفيف العقوبات بما فيها المؤبد، وفق المادة 75 من الدستور، وكان يمارس تقليديا في أمور معينة، لكن القرار الجديد يمثل إصلاحا منهجيا أكثر من اعتباره عفوا استثنائيا، فهو يعدل نظام الإفراج المشروط ذاته ليشمل المحكومين بالمؤبد بصفة منتظمة بعد 20 عاما، بدل الاقتصار على تخفيف استثنائي أو مبادرات تشريعية محدودة.

ومن المهم أيضا تبيان ما إذا كان هذا القرار تخفيفا أم لا، وذلك لفهم طبيعة القرار، فخفض العقوبة يعني تعديل الحكم الصادر أو تقليل العقوبة بموجب عفو أو قانون جديد أصلح للمتهم كما ذكرنا سابقا، وهو ما لم يحدث في هذا القرار، فالقرار الجديد لا يغير مدة عقوبة الحبس المؤبد في القانون، لكنه يعدل طريقة تنفيذ العقوبة بحيث تصبح 20 عاما كحد أقصى، مع إمكانية استمرار الاحتجاز وفقا لمعايير أمنية.

ويكمن الفرق الأساسي هو أن خفض العقوبة يؤدي إلى انتهاء العقوبة عند الحد الجديد، بينما هذا القرار يجعل الإفراج بعد 20 عاما، فلا تزال عقوبة الحبس المؤبد هي الحكم القضائي الرسمي، لكن طريقة تنفيذها أصبحت خاضعة للمراجعة بعد 20 عاما، لذا يتضح بأنه تعديل في التنفيذ وليس خفضا للعقوبة.

مدى تعارض القرار 397/25 مع المادة 87 من قانون الجزاء الكويتي

تنص المادة 87 من قانون الجزاء على أن «يجوز الإفراج تحت شرط عن كل محكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية إذا قضى ثلاثة أرباع المدة المحكوم بها عليه، بشرط حسن سيرته وسلوكه، وألا يكون في الإفراج عنه خطر على الأمن العام، ولا يجوز الإفراج تحت شرط عن المحكوم عليه بالحبس المؤبد إلا إذا قضى عشرين سنة على الأقل من مدة عقوبته، ويكون الإفراج تحت شرط لمدة خمس سنوات، فإذا لم يلغ خلال هذه المدة أصبح نهائيًا».

أما بالنسبة للقرار الوزاري فقد تم توضيحه أعلاه.

ويتضح من جل ذلك:

1) من حيث الصياغة القانونية:

سمحت المادة 87 بالإفراج بعد 20 سنة لكنها لا تجعله حقا تلقائيا بل خاضعا لتقدير السلطات.

أما القرار الجديد فجعل الإفراج بعد 20 عاما هو الأصل والقاعدة العامة وليس الاستثناء، أي أن المحكوم لن يبقى في السجن أكثر من 20 عاما إلا إذا كان هناك مبرر قانوني وأمني واضح لإبقائه.

والفرق الجوهري هنا هو أن المادة 87 تجعل الإفراج الشرطي خيارا يتطلب طلبا من المحكوم، بينما القرار الجديد يجري المراجعة تلقائيا لكل المحكومين بالمؤبد، ويفرج عنهم ما لم تتوفر أسباب أمنية لعدم الإفراج.

2) من حيث التطبيق العملي:

قبل القرار: كان بإمكان المحكوم بالحبس المؤبد تقديم طلب إفراج مشروط بعد 20 عاما، لكن السلطات كانت تملك السلطة الكاملة لقبوله أو رفضه بناء على تقديراتها.

أما بعد القرار: أصبح الإفراج بعد 20 عاما هو القاعدة العامة، وإذا وجدت أسباب لرفض الإفراج، يتحمل المسؤولون عن القرار عبء إثبات أن المحكوم لا يزال خطرا.

فالفرق هنا أن النظام السابق كان يجعل الإفراج استثناء بعد 20 عاما، بينما النظام الجديد يجعله القاعدة العامة ما لم يكن هناك سبب وجيه للإبقاء على المحكوم.

3) القرار الوزاري من حيث الغرض:

المادة 87 تتحدث عن الإفراج الشرطي كمكافأة على حسن السلوك، أما القرار الجديد فهو تعديل ضمني لمدة العقوبة نفسها.

فقرار الحكومة لم يلغ المادة 87، لكنه جعل تطبيقها على المحكومين بالمؤبد غير ضروري لأنهم لن يبقوا في السجن أكثر من 20 عاما أصلا، بمعنى آخر، الإفراج الشرطي وفق المادة 87 لم يعد وسيلة ضرورية للمحكوم بالمؤبد، لأن الإفراج عنهم بعد 20 عاما أصبح قاعدة عامة وليس استثناء.

ولكي نقتل هذا اللبس، ننصح بتعديل المادة 87 بحيث تنص بوضوح على أن المحكومين بالمؤبد سيتم الإفراج عنهم تلقائيا بعد 20 عاما ما لم تكن هناك أسباب أمنية تمنع ذلك، أو يمكن إعادة صياغة المادة 87 بحيث تقتصر على تنظيم الإفراج المشروط للمحكومين بعقوبات طويلة أخرى، دون أن تشمل المحكومين بالمؤبد، أو بإبقاء المادة 87 كما هي مع وجود تفسير لتطبيق القرار، وحبذا لو يصدر تفسير رسمي يؤكد بأن الإفراج وفق القرار الجديد يختلف عن الإفراج الشرطي، وبالتالي لا يوجد تعارض بينه وبين المادة 87، هذا التفسير يمكن أن ينص على أن المحكومين بالمؤبد لن يحتاجوا لتقديم طلب إفراج شرطي لأن الإفراج بعد 20 عاما سيتم تلقائيا إلا في الحالات التي تستدعي إبقاء المحكوم في السجن لأسباب أمنية واضحة، ولما كان ذلك يتبين أنه لا يوجد تعارض جوهري بين المادة 87 وقرار تحديد المؤبد بـ 20 عاما، لكن هناك اختلاف في آلية التنفيذ والتطبيق، بالإضافة إلى أن القرار الجديد أبقى على نفس شروط المادة 87 تقريبا، لكنه جعل الإفراج بعد 20 عاما هو «القاعدة العامة» وليس الاستثناء، وأيضا كانت المادة 87 تفرض على المحكوم بالمؤبد تقديم طلب للإفراج المشروط، لكن القرار الجديد جعل المراجعة تلقائية، ما يعني أن الإفراج لن يكون بحاجة إلى طلب رسمي، بل سيتم فحص كل الحالات تلقائيا بعد 20 عاما، وهذا يقودنا إلى الوصول إلى نتيجة بأن القرار لم يلغ المادة 87 لكنه جعلها غير ذات صلة بالمحكومين بالمؤبد، لأنهم لن يحتاجوا إلى تقديم طلب إفراج شرطي بعد الآن، بل سيتم الإفراج عنهم تلقائيا ما لم يكونوا خطرين.

4) التأثير القانوني على المحكومين:

المحكومون الحاليون بالسجن المؤبد هم أبرز المستفيدين من هذا التغيير، فبموجب القرار، سيتم إعادة النظر في قضايا كل المحكومين بالمؤبد الذين أمضوا 20 عاما على الأقل في السجن، وقد شكلت لجنة مختصة لتقييم ملفاتهم قبل ثلاثة أشهر من بلوغهم هذه المدة بهدف النظر بإمكانية الإفراج عنهم، وهذا يعني عمليا بأن أي سجين مؤبد استكمل 20 سنة يمكن أن يفرج عنه إفراجا مشروطا إذا استوفى الشروط والمعايير المحددة «الإصلاح وحسن السلوك وانتفاء الخطورة».

والإفراج لن يكون تلقائيا أو حقا مطلقا بمجرد مرور 20 سنة، بل يتوقف على تقرير اللجنة المختصة وتصديق النائب العام بعد التحقق من استحقاق السجين لهذا الإفراج المبكر.

وبالنسبة للإجراءات، يحق للنائب العام أيضا فرض رقابة لاحقة على المفرج عنه كارتداء سوار إلكتروني لمدة تصل لخمس سنوات مع التزام بشروط محددة، وإلغاء الإفراج إذا خالفها، وهذه الضمانات تؤكد بأن الإفراج هو إفراج مشروط بهدف التأكد من اندماج المحكوم في المجتمع بأمان.

أما من لا يثبت أهليته للإفراج «مثلا لم يظهر إصلاحا كافيا أو ما زال خطرا»، فمن المرجح استمرار حبسه مع إعادة تقييم حالته لاحقا.

بشكل عام، جميع المحكومين بالمؤبد سابقا وحديثا باتت أمامهم فرصة للإفراج بعد 20 عاما طالما حققوا الشروط، ما يمثل بارقة أمل قانونية لهم لإمكانية إنهاء العقوبة في حدود معقولة بدلا من السجن مدى الحياة.

المتابعة بعد الإفراج وضمانات عدم إساءة الاستخدام

لضمان أن الإفراج لن يستغل بشكل يضر بالأمن أو العدالة، وضع القرار ترتيبات احترازية، حيث يسمح للنائب العام بأن يضع المفرج عنه تحت المراقبة الإلكترونية «السوار الإلكتروني» لمدة تصل لخمس سنوات، هذه الفترة «الخمس سنوات» هي ذاتها المنصوص عليها في المادة 87 كمدة الإفراج الشرطي للمؤبد، وخلال هذه المدة يكون السجين السابق ملتزما بشروط محددة يقررها النائب العام، مثل عدم مخالطة أشخاص معينين، أو عدم السفر دون إذن، أو التزام بحضور دورات تأهيلية، أو أي التزامات تراها النيابة مناسبة، ويتم إبلاغه وتحذيره رسميا بأن أية مخالفة لتلك الشروط ستعد سببا لإلغاء الإفراج وإعادته للسجن لإكمال المدة، فهذا الإجراء مهم لضمان الانضباط بعد الإفراج ولحماية المجتمع وإعطاء فرصة للمراقبة عن كثب، فإن أثبت المفرج عنه حسن سلوكه في المجتمع خلال هذه السنوات، يستمر حرا وتنقضي عقوبته تماما بانتهاء المدة الشرطية «كما تنص المادة 90 جزاء»، أما إن أساء التصرف، فيمكن للنائب العام إصدار أمر بإلغاء الإفراج «وفق المادة 88» وإعادته للسجن فورا، وإذا ألغي الإفراج وعاد السجين لتستكمل عقوبته، فإن المادة 89 تشترط – إن كان قد أفرج عنه لأول مرة – قضاء 4 سنوات إضافية قبل أن ينظر في إفراج ثان عنه، وإن ساءت سيرته في الإفراج الثاني أيضا ألغي ولم يعد هناك إفراج ثالث، فهذه الضمانات القانونية تكفل أن الإفراج المشروط لن يتحول إلى «ثغرة» للإفلات من العقوبة، بل هو طريق مشروط محفوف برقابة صارمة.

عدالة وشفافية التنفيذ

لضمان العدالة، وضعت معايير موضوعية «الشروط الثلاثة أعلاه» لتطبق على جميع المحكومين بلا تمييز، فأي سجين مؤبد يستوفي 20 سنة وسلوكه جيد ولم يعد خطرا يجدر أن تفرج عنه اللجنة، واللجنة مطالبة بحصر جميع الحالات دون انتقائية لمنع تجاهل أي مستحق، ووجود ممثلين عن جهات متعددة «الداخلية والمؤسسات الإصلاحية والنيابة» يقلل احتمال المحاباة أو الظلم، فالقرار لن يكون فرديا بل جماعيا وتوافقيا، كما أن رفع التوصيات لوزير الداخلية والنائب العام يعني مستوى إشراف عال – فالقيادات ستراقب عمل اللجنة، وبذلك، أي انحراف أو شبهة تمييز قد ترصد وتصحح.

ومن الشفافية أيضا أن وزارة الداخلية أعلنت القرار صراحة عبر وسائل الإعلام الرسمية وأمام الجمهور، ونشرت تفاصيل الشروط، وهذا الإفصاح العلني يرسخ مبدأ الشفافية ويتيح الرقابة المجتمعية، فعائلات السجناء مثلا باتوا يعلمون المعايير ويستطيعون التأكد من انطباقها على ذويهم والمطالبة بحقوقهم إن لزم، ولمنع أي استخدام غير عادل، نجد أن القرار لم يجعل الإفراج تلقائيا بلا قيد – فلم يقل بمجرد بلوغ 20 سنة يطلق سراح السجين – بل وضع شروطا صارمة، وبالتالي لا يمكن لمسؤول ما إخراج سجين مؤبد «بالواسطة» قبل 20 سنة مثلا، لأن ذلك خارج إطار القرار تماما، وحتى بعد 20 سنة، لو تدخلت شفاعة ما لإخراج شخص غير منضبط أو خطر، فالشروط المكتوبة ستقف حائلا، إذ سيكون الإفراج مخالفا للنظام ويمكن الطعن فيه أو إلغاؤه إن اتضح أنه تم بمجاملة غير مستحقة.

كما أن إشراك النيابة العامة «جهة قضائية» في الاطلاع والتصديق على قرارات الإفراج يضفي ثقلا قانونيا ويضمن اطلاع عيون العدالة على كل حالة، وربما من المستحسن أيضا – تعزيزا للشفافية – أن تقدم اللجنة تقارير دورية بعدد الحالات التي نظرت فيها وعدد من أفرج عنهم ومن رفض مع ذكر موجز لأسباب الرفض «دون انتهاك للخصوصية»، فهذا النوع من التقارير لو نشر سيطمئن الرأي العام بأن العملية عادلة وغير مزاجية.

تأثير القرار على فلسفة العقوبة «تحول نحو نهج إصلاحي»

يعكس هذا القرار تحولا مهما في فلسفة العقوبة في الكويت، فمن عقيدة عقابية سابقة تقوم على العقوبات المطولة التي قد تمتد لبقية العمر «نهج استئصالي يهدف لعزل الجاني نهائيا»، إلى نهج أكثر إصلاحية وإنسانية يوازن بين الردع وإعادة التأهيل، والحكومة صرحت بأن هذه الخطوة تأتي ضمن رؤية لتعزيز النهج الإصلاحي والتأهيلي داخل المؤسسات العقابية، وقد أوضح وزير الداخلية بالإنابة أن الهدف هو «تحقيق التوازن بين تنفيذ مدة العقوبة وتحقيق العدالة، مع منح الفرصة للنزلاء لإعادة بناء حياتهم واندماجهم في المجتمع بعد قضاء المدة المحكوم عليهم بها»، وهذا الكلام يؤكد نقلة نوعية، إذ أن العقوبة لم تعد ترى فقط كوسيلة للقصاص أو الردع العام، بل أيضا كوسيلة لإعطاء المحكوم فرصة ثانية.

وهذه الفلسفة الجديدة تنظر للسجين المؤبد ليس كعنصر يعزل للأبد، وإنما كشخص يمكن تقويمه ليعود نافعا بعد فترة طويلة خلف القضبان، وهي تقترب من التوجهات الحديثة في علم الإجرام وحقوق الإنسان التي تدعو إلى أن يكون لكل محكوم أمل بالخروج وإمكانية لمراجعة عقوبته الطويلة.

ويلاحظ أيضا أن هذا التحول جاء بتوجيه من أعلى السلطات «أمير البلاد»، ما يعكس إرادة سياسية عليا لتبني نهج عقابي أكثر رحمة دون الإخلال بالأمن، وربما ساهم في هذا التحول عوامل عملية وإنسانية، منها: تقارير عن اكتظاظ السجون والحاجة لتخفيف الأعباء، وضغوط المنظمات الحقوقية لتحسين أوضاع المحكومين، والالتزامات الدولية التي تشجع على مراعاة كرامة السجناء وفرص إصلاحهم.

من جهة أخرى، حرصت الدولة على التأكيد على أن هذا النهج الإصلاحي لن يكون على حساب الأمن أو العدالة للضحايا، إذ سيطبق ضمن ضوابط تضمن عدم إفلات المجرمين الخطرين قبل إصلاحهم.

بالمحصلة، يمكن اعتبار القرار تحولا تاريخيا في السياسة الجنائية الكويتية من التشدد المطلق إلى الاعتدال المدروس، ومن منطق «السجن للردع والعقاب فقط» إلى منطق «السجن للإصلاح ثم الإفراج المشروط»، وبالتالي فإن هذا القرار يظهر تغير قناعات المؤسسة التشريعية – التنفيذية لصالح فلسفة عقابية إصلاحية.

توصيات

وفي نهاية هذه الدراسة، نوصي بالآتي:

– تعديل المادة 87 من قانون الجزاء، بحيث تنص صراحة على أن الإفراج عن المحكومين بالمؤبد سيتم تلقائيا بعد مضي 20 عاما، إلا في الحالات التي تستدعي استمرار العقوبة

– وضع آلية واضحة للمراجعة القضائية لضمان عدم تحول الإفراج إلى إجراء إداري بحت دون رقابة قانونية

– تعزيز برامج إعادة التأهيل داخل السجون لضمان قدرة المحكومين المفرج عنهم على الاندماج في المجتمع بصورة آمنة

أعدها المحامي/ محمد عبدالرحمن الفضل

 

المحامي محمد الفضل

 

أرسل الخبر أو إطبعه عبر أحد هذه الخيارات:

اقرأ أيضا

نظرة حول البيئة الإعلامية في دولة الكويت

• الإعلام الكويتي كان يهتم بالقضايا العالمية وأصبح مستغرقا بالمحلية • وسائل الإعلام تخدم مصالح …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *